منذ حوالي العشر سنوات، كانت النشاطات الإلكترونية تنفذ عن طريق كمبيوتر الديسكتوب (Desktop) أو المحمول، غير أنه ومقابل التطور السريع للإنترنت على الموبايل وهبوط أسعار أجهزة الهواتف الذكية، أصبحوا الأفراد يميلون أكثر فأكثر إلى استخدام هذه الهواتف فقط لاستخدام الإنترنت. في هذا الإطار، قامت ComScore بدراسة في أبريل 2016، بينت من خلالها أن حوالي نصف الجيل الجديد يستخدمون الموبايل فقط، ما يعني أنهم لا يمتلكون أي كمبيوتر ديسكتوب أو محمول، كما ولا يستخدمونه أبداً حتى يتصلوا بالإنترنت. ومنذ العام 2011، هبطت مبيعات أجهزة كمبيوتر الديسكتوب والمحمول بطريقةٍ ثابتة دون أي إشارات جديدة تفيد بتوقف هذه الموجة الهابطة. وفي الإطار نفسه، بينت دراسة أخرى أن حوالي ثلث مستخدمي الهواتف الذكية يستعملونها لغايات متعلقة بوسائل الإعلام الرقمية.
وانطلاقاً من منصبي كالرئيس التنفيذي للتسويق لدى أمانة كابيتال، أعتمد في الحقيقية، عند وضع خطة للتسويق أو عند تحديد ميزانية عامة، على الإحصائيات والدراسات المتعلقة بتوجهات المستهلك بخاصة في عالم الإنترنت والتقنية وذلك بهدف معرفة الطريقة الأفضل التي ستسمح للمجموعة بالتقرب من العميل.
متى كانت قمة بيع شحنات الكمبيوتر في الخمس سنوات الماضية؟ شحنات الكمبيوتر على مستوى العالم من العام 2008 إلى 2016 ربعياً (بوحدة المليون شحنة) المصدر: Statista وGartner
لماذا من المرجح أن يكون الجيل الجديد أكثر استخداماً للموبايل فقط؟ خلال السنوات الأولى من تطور الموبايل بشكلٍ قوي، توقع الخبراء أن تهبط مبيعات كمبيوتر الديسكتوب لوقتٍ قصير قبل أن تثبت من جديد، غير أن نشأة فئة جديدة من الأفراد التي تستخدم الخليوي الذكي فقط، كانت بالفعل مفاجئة غير متوقعة. ولكن، عندما تفكر بالأمر جيداً وتلاحظ كيف أن الأفراد يميلون لاستخدام وسائل الإعلام الرقمية في حياتهم اليومية، تصبح هذه الظاهرة إذاً منطقية. وبحسب الإحصاءات الجديدة ودراسات التوجهات الجديدة، فإنه من المفضل استخدام الخليوي لتصفح الإنترنت، سواء لتفقد شيءٍ ما بسرعة أو الاطلاع على بعض الرسائل الإلكترونية أو ربما للحصول على اتجاهات الطريق عندما تكون ذاهباً لمكانٍ ما. في الحياة اليومية، يبقى الخليوي الرابح الأقوى نظراً لميزاته الكثيرة وحقيقة أن الأفراد غالباً ما يحملون هاتفهم الذكي أينما ذهبوا.
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طرق استخدام المستهلك العادي لوسائل الإعلام الرقمية، لن يكون من الصعب إذاً فهم الأسباب التي ضعفت من أهمية الكمبيوتر، فالتطور التقني والبرمجي الذي تم اعتماده بسرعة في الهواتف الذكية جعلتنا أقل اعتماداً على الكمبيوتر، بالرغم من حقيقة أن الكثير من الأفراد كانوا بالفعل يعتمدون على الكمبيوتر للترفيه المنزلي ولزيادة إنتاجية العمل. وبالطبع، لا يزال هناك فئة من الأفراد تستخدم الكمبيوتر غير أن فئة أخرى من الأفراد لا تجد أي سبب تجعلها تقتني جهاز كمبيوتر، ففي النهاية، هذا التطور الذي شهدته الأجهزة الخليوية قد تغني المستهلكين عن اقتناء أي جهاز كمبيوتر لتنفيذ الكثير من الأعمال الرقمية.
تتمتع الهواتف الذكية اليوم بقدراتٍ متميزة تفوق قدرات جهاز الكمبيوتر العادي التي كان يتمتع بها منذ عقدٍ من الزمن، فقد تحسن مستوى دقة الشاشات ومستوى الطاقة وقدرة الذاكرة وغيرها من الأمور. وفي الواقع، فمن الممكن أن يكون لهذا الجهاز الصغير قدرات أكثر من معظم الأشياء في بيتك وأن يمتع بذاكرة أكبر بكثير من تلك التي كان يتمتع بها جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بك والذي اشتريته منذ بضع سنوات. بالنسبة لمعظم المستهلكين، إن قدرات الجهاز الخليوي الذكي هي أكثر من كافية لتنفيذ مهام الحوسبة اليومية التي تتراوح بين التحقق من البريد الإلكتروني وتصفح وسائل الإعلام الاجتماعية والدخول في مباراة الكترونية وغيرها. والأهم أن الشاشة الصغيرة لم تعد تشكل أي عائق، ففي معظم الأحيان يمكنك وصل جهاز الخليوي بجهاز تلفزيون حديث أو شاشة كمبيوتر أو أي جهاز عرض آخر.
تراجع جهاز كمبيوتر الديسكتوب (Desktop) لا يعني زواله لقد رأيت إذاً كيف يمكن للهاتف الخليوي الذكي خدم حاجات المستهلكين العاديين غير التقنيين الذين يحتاجون لطريقة سهلة وبسيطة لدخول الإنترنت والبقاء على اتصال بحياتهم وحاجاتهم الرقمية. ومن الصحيح أن مبيعات أجهزة كمبيوتر الديسكتوب انخفضت، لكن هذا لا يعني بأنها ستختفي وتصبح فاقدة لأي أهمية. فبالرغم من حقيقة أن الجيل الجديد يصبح أكثر فأكثر مستخدم لجهاز الخليوي الذكي فقط، فإن الهاتف يبقى هاتف وبالتالي هو غير مناسب للأعمال التقنية عالية الإنتاجية والمتخصصة، فتخيل بأنك تقوم بكتابة مقال أو دراسة على الهاتف، أو تقوم بتصميم موقع إلكتروني... هذا أمر لن يحدث أبداً! من هنا، يبقى جهاز كمبيوتر الديسكتوب الرائد في عالم الأعمال وسيبقى كذلك لفترة من الزمن.
من هنا، يمكننا ملاحظة أنه لا يزال من السهل جداً رسم الخط الفاصل بين جهاز الخليوي و بين جهاز الكمبيوتر، فالأول يمكن اعتماده للمهمات السهلة والبسيطة والسريعة واليومية كتصفح الصفحات على الإنترنت، أما الثاني، فهو الرائد عندما يتعلق الأمر بالقدرة والطاقة والإنتاجية العالية. ولكن أمام هذا الواقع، يكون من الصعب جداً توقع المستقبل، فالكثير من الشركات بما فيها شركة أبل تعمل على تطوير محطات تقنية للهواتف الذكية، تسمح بتحويلها إلى أجهزة محمولة هجينة. والأمر لا ينتهي هنا، فيمكن اليوم لمحبي الألعاب الإلكترونية التي تنزل عادةً على كمبيوتر الديسكتوب، الاستمتاع بمثل هذه الألعاب على الأجهزة المحمولة. يشار إلى أنه لا يزال من المفضل تنزيل هذه الألعاب على كمبيوتر الديسكتوب، كونه يتمتع بطاقة أكبر من الأجهزة المحمولة التي تتمتع بطاقة أقل. يبقى كمبيوتر الديسكتوب إذاً الحل الأفضل للعمل والإنتاجية وذلك نظراً لطاقته القصوى زسعره المقبول. وبالرغم من أنه أصبح يشكل جزءاً صغيراً من عالم الحوسبة، يبقى من الصعب استبداله بأي جهازٍ آخر. وفي الإطار نفسه، نجد أنه لا يزال هناك بعض المبادرات التقنية التي قد تساعد على إنعاش استخدام كمبيوتر الديسكتوب كإطلاق برنامج ويندوز 10 على سبيل المثال في العام 2015، أو إطلاق برامج أقوى كمعالج سكاي لايك من إنتل أو ظهور الألعاب الإلكترونية ذات الواقع الافتراضي.
في النهاية، للتوصل إلى فهم الأسباب التي سمحت بتكون فئة من الأفراد التي لا تستخدم إلا الهواتف الذكية، من المفيد فهم الأسباب التي تدفع الأفراد إلى استخدام الكمبيوتر أولاً. برأيي، ليس هناك ثقافة استخدام الهاتف الذكي فقط، لا بل نجد أنه هناك عدد من الأدوات التي هي في تزايدٍ دائم والتي تسمح لنا باتباع وتحسين حياتنا الرقمية الحديثة. بعباراتٍ أخرى، يخدم الهاتف الذكي مجموعة من متطلبات الحياة الحديثة، تماماً كما يفعل كمبيوتر الديسكتوب والمحمول أو التابلت.