كارلوس غصن هو رجل أعمال من أصل لبناني، ولد في البرازيل وهو يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركات رينو، نيسان وميتسوبيشي، كما وهو رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لتحالف رينو- نيسان، وهي شراكة استراتيجية تستحوذ على حوالي 10% من سوق المركبات الآلية. تخرّج غصن من مدرسة متخصصة بالهندسة (Ecole Polytechnique) ومن ثم من المدرسة الوطنية العليا للمناجم في باريس، حيث حصل على شهاداتٍ عليا في الهندسة.

ملخص سيرته المهنية

في العام 1978، التحق غصن بشركة ميشلان، وبعد تطوير خبرته في القطاع وبعدما زار وعمل في مصانعٍ عدة تابعة للشركة، تم تعيينه كرئيس تنفيذي للعمليات في أمريكا الجنوبية. وبعد ذلك، عاد إلى البرازيل واستلم العمليات على الأرض، حيث نجح في إعادة إنعاش الأعمال وتحويل الشركة من خاسرة إلى رابحة وكل ذلك خلال سنتين من الزمن فقط، وبالرغم من الحالة الاقتصادية الصعبة التي كانت تمرّ بها البلاد. وفي العام 1990، ساهم في إعادة هيكلة الشركة بعد شرائها لشركة يونرويال غودريش للإطارات.

في العام 1996، التحق غصن بشركة رينو، حيث انتقل من منصب نائب رئيس الشركة إلى منصب الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة. وبعدما اشترت رينو حصة كبيرة من شركة نيسان، انضم إليها كمدير للمبيعات، لينقذ الشركة من إفلاسها الوشيك ويحوّلها إلى شركة تحقق الأرباح. وبالإضافة إلى ذلك، سمح غصن للشركة بالقيام بأبحاثٍ إضافية حول تطوير السيارات الكهربائية، ما مهدّ الطريق نحو إنشاء سيارة نيسان ليف LEAF الكهربائية. وحين اشترت نيسان حصة كبيرة من شركة ميتسوبيشي، أصبح السيد غصن رئيس مجلس إدارتها أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك، كان غضن في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة AVtoVAZ، وهي شركة روسية لتصنيع السيارات ضمن تحالف رينو-نيسان، وذلك من يونيو 2013 حتى يونيو 2016.

يتمتع غصن بسمعةٍ رائدة وهو معروف بتصرفه السريع وبقدرته على خفض التكاليف، كما وهو معروف بقدرته على تصوّر المستقبل. في هذا الإطار، ستجد أدناه مجموعة من أهم إنجازاته:

تحويل ميشلان في أمريكا الجنوبية إلى شركة رابحة

في منتصف الثمانينات، كانت أمريكا الجنوبية في حالة فوضى، فأزمة النفط أدت إلى ارتفاع أسعاره، الأمر الذي أدى إلى انخفاض فرص الاستيراد والتصدير، وكان التأثير الأكبر على الشركات التي تحتاج إلى كميات كبيرة من الوقود الأحفوري، كشركة ميشلان. وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت ثقة المستهلك في المكسيك نتيجة أزمة الدين التي كانت تواجهها حينذاك، ما أدى إلى تضخمٍ حاد وحالة ركود.

كلّ هذا أدى إلى تدهور مصانع ميشلان، ولكن ومع عمل غصن في هذه المصانع وقدرته على التحدث باللغة البرتغالية بطلاقة، تمّ إحالته إلى هناك لحلّ المشكلة. وللمفاجأة، كانت طريقته في حل الأمور بسيطة جداً، فكان غصن قد فهم أهمية التواصل بين مختلف الفرق، حتى يستطيعوا العمل كفريقٍ واحد بهدفٍ واضحٍ ونظرة موحدة. من هنا، كانت تقتضي استراتيجيته الإصلاحية  على إصلاح الهيكلية التنظيمية للشركة عبر تشكيل مجموعات عمل مكونة من أفراد من كل أنحاء المنظمة. فبدلاً من إنشاء وإدامة خلايا فردية في الشركة والتي تتضمن أفراد من الشركة المحلية فقط، قام بخلق سيناريو يتضمن استخدام خبرات الشركة العالمية كلها وبكل فروعها، ليعيدها إلى حالة الربح. هذا يعني أن المهندسين الفرنسيين كانوا يعملون مع مدراء المنتجات البرازيليين وذلك بهدف التقاط فرص النمو بشكلٍ منتظم وصحيح. وبالإضافة إلى ذلك، قام بخلق نظرة موحدة ضمن الشركة كلها.

وعبر استخدام المعرفة المتاحة لأقصى الحدود، تمكن من تطوير العمليات في البرازيل خلال فترة سنتين. وبالرغم من أن تحقيق هذا الأمر تطلب إعادة هيكلة طريقة عمل الشركة، فكان الأمر ضرورياً. وبعد هذا النجاح الكبير الذي حققه في المكسيك، انضم غصن إلى ميشلان في أمريكا الشمالية، لينضم بعد ذلك إلى رينو.

خسارة شركة رينو

في العام 1996، كانت شركة رينو في أزمةٍ كبيرة. وبحسب غصن، يعود السبب في ذلك إلى أن الشركة كانت مهتمة أكثر بتطوير مستوى الترف وتعتمد على المعرفة السطحية أكثر من تحقيق الأرباح. وبالإضافة إلى ذلك، مزجت الشركة بين الإنتاجية العالية والأخلاقيات المنخفضة. وعندما التحق غصن بالشركة، كانت مملوكة بنسبة 80% من قبل الحكومة الفرنسية، وفي الوقت الذي خفض فيه التكاليف عبر إغلاق مصنع للشركة في بلجيكا وصرف حوالي 3300 عامل، كان يركز بالأغلب على إنشاء هيكليات إدارة عمل فعالة، خالقاً من جديد مؤسسة مترابطة، ما ميّز عمله وتحول إلى وسمته الخاصة. نتيجةً لذلك، تحسن وضع الإنتاجية ودخلت المنتجات الجديدة بشكلٍ أسرع إلى الأسواق. وخلال منتصف عام 2000، أصبحت الحكومة الفرنسية تمتلك 16% من شركة رينو، وأصبحت آليات هذه العلامة التجارية الأكثر مبيعاً في أوروبا الغربية، وذلك بفضل التغيرات التي أحدثها غصن.

نيسان الخارجة عن المنافسة

يقال إنه إذا قمت ببناء أفضل الخنادق، سيعطونك ببساطة مجرفة أكبر. هذه المجرفة التي تم إعطاؤها لغصن كانت شركة نيسان، شركة سيارات خاسرة في اليابان. وفي العام 1999، كانت الشركة مدينة بحوالي 20 مليار دولار وكانت تحقق خسائر لمدى سبع سنوات على التوالي من أصل ثمانية، والأسوأ، كانت مركباتها أيضاً تعتبر أقل جودةً من منافسيها، تويوتا وهوندا.

وبالفعل، فأقل ما يمكن قوله عن هذه الأحوال أنها كانت صعبة وعالية التحدي والمخاطر.

في المقابل، وكردة فعلٍ على هذه الظروف، قام غصن بتقليص الوظائف بـ21 ألف وظيفة بين 1999 و2002، كما قام بإغلاق 5 مصانع لها، ولم ينتهي الأمر هنا، فغير طريقة عمل الشركة عبر القضاء على التقارب التقليدي بين الشركة ومورديها، وقد أجبر الإدارة على تعلم اللغة الإنكليزية، كونها اللغة الأساسية للعالم، وكان على الجميع تبسيط آرائهم وتسليط أفكارهم نحو قضية موحدة. ومن جديد، فرض مجموعات عمل مترابطة بهدف تقديم المنتجات بطريقةٍ أسرع وتحديد الأفكار التي تقلص التكاليف. وبالإضافة إلى ذلك، قام بإنشاء خطط طويلة المدى ونظرة موحدة، والتي سميت بـ"خطة إنعاش نيسان". وبالرغم من النقد الكبير الذي واجهه غصن، فهو تغلب على الصعوبات؛ وفي مارس 2001، حققت الشركة أرباح بقيمة 2.8 مليار دولار، مقابل خسارة بلغت 5.7 مليار دولار في العام 2000 ما عزز سمعة غصن بشكلٍ كبير.

خلق التنوع

إن الاستراتيجية التي تكمن وراء هذه السيناريوهات الثلاث المذكورة اعلاه، وإعادة الإنعاش المتوقع حصوله في ميتسوبيشي، كانت تدور حول إنشاء مجموعات عمل متنوعة. وقد طور غصن هذا الأسلوب بشكلٍ كبير، عبر خلق التنوع أيضاً في صفوف الإدارات العليا.  وحالياً، يترأس شركة نيسان في المكسيك امرأة هي مايرا غونزالس، وهي الأولى التي تتولى مهام إدارة شركة محلية تابعة لنيسان. وإلى جانب ذلك، تتولى 5 نساء مناصب نائب الرئيس في شركة رينو.

أخيراً، يتبنى غصن نمط التنوع كالطريق الوحيد نحو النجاح، ولا يهم من أين تأتي المعرفة، طالما هي موجودة. وبالرغم من أن صناعة السيارات تبقى قطاع يسيطر عليه الجنس الذكوري بالأغلب، فإن النساء ترتفع في صفوفه أكثر فأكثر.

تطوير المهن

إن استراتيجية غصن لاقت بعض التشابه على مدى السنوات، فهي تشمل أولاً إعادة بناء العلامة التجارية دون تدمير الشركة. ثانياً، إيجاد طرق لخفض التكاليف حيث يمكن تحقيق ذلك وإنشاء أنماط مؤسساتية ورؤية واضحة. ثالثاً، الاستفادة من المعرفة وفرضها. وفي النهاية، عندما يكون لديك عدد من الأفراد الذين يعملون سوياً، يمكنك خلق فرق عمل متكاملة تنتج أكثر بكثير مما ينتجه المرء عندما يعمل بشكلٍ فردي، فماذا لو تبنت كل الشركات مثل هذا النمط، فهل تنجح وتنمو؟