في يومٍ من الأيام، كنت أشاهد حلقة على التلفزيون تدور حول تحضير وجبة طعام معينة وقد لفت نظري الطباخ. لاحظت أنه عندما يقوم بتحضير وجبةٍ معينة، فهو يقوم بأمورٍ عدة في وقتٍ واحد وهو أمر ضروري وأساسي بالنسبة لعمله. على سبيل المثال وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه انتهاء الأرز، كان يقلي السمك وفي الوقت نفسه، ينقع الدجاج من جهة ويضع وعاء مليء بالماء على النار بانتظار غليها حتى يطبخ فيها البيض. تحدث كل هذه الأحداث في وقتٍ واحد وبالفعل، فالذي يميز الطباخ الماهر عن غيره، هو قدرته على تقسيم انتباهه على أمورٍ عدة في وقتٍ واحد وذلك بهدف التأكد من أن كل أطباقه تتحضر بشكلٍ ممتاز.

في عالم الأعمال، فإن القدرة على تنفيذ أمورٍ عدة في وقتٍ واحد قد تكون سيئة أكثر مما هي مفيدة، حيث أن إدارة نمو الشركة تختلف تماماً عن تجهيز وطبخ وجبة ولكن وبالرغم من ذلك، فإن الكثير من رجال الأعمال يتعاملون مع أعمالهم وكأنها وجبة تتحضر، ينتقلون من مسألة إلى أخرى واضعين في رؤوسهم عشرات الأهداف والأمور وفي نهاية اليوم، يعودون إلى بيوتهم مرهقين غير قادرين على فهم الأسباب التي تمنعهم من تحقيق النجاح؛ بكلماتٍ أخرى، بدل من التركيز على مسألة واحدة ثم التنقل إلى التالية مع انتهاء الأولى، يقعون في فخ تعدد المهام.

ما هو تعدد المهام في عالم الأعمال؟ إن تعدد المهام هو القدرة على العمل على أمورٍ عدة في الوقت نفسه. في عالم الأعمال، من الممكن أن يعني ذلك الرد على الرسائل الإلكترونية مثلاً والهاتف في الوقت ذاته، كما ومن الممكن أن يعني العمل على تطوير استراتيجيات تسويق والتفكير بتغييرات للمنتجات. وفي كل حالة، يتم تنفيذ أمرين أو أكثر في وقتٍ واحد، بغض النظر عن أهمية وقيمة الأعمال التي يتم القيام بها. تجدر الإشارة أنني أتحدث هنا عن الأعمال التي تحتاج لجهدٍ شخصي والتي لا يمكن بالتالي توزيعها على فرق عمل يمكنها تولي مسؤوليتها ومتابعتها.

لماذا يعتبر مفهوم تعدد المهام بالفكرة السيئة؟ إن المشكلة الأكبر في تعدد المهام في العمل هو أن كل عمل لا يأخذ التركيز الكامل الذي يستحقه. فعند الطبخ، يمكن غض النظر عن مكونٍ ما يتم طبخه وذلك لفترة معينة والتحضير لطهو مكون آخر في الوقت نفسه. ولكن عند إدارة شركة، يجب على المعني بالأمر التركيز على كل مسألة على حدة. إن تعدد المهام تخلق الشعور بأن الكثير من الأمور يتم تنفيذها في وقتٍ قصير لكن الحقيقة هي عكس ذلك: لا يتم تحقيق كل الأهداف كونه يتم تنفيذ الأمور بشكل ناقص وغالباً ما تجد في النهاية أنك لم تكمل الأعمال كلها بدل من الانتهاء كاملاً من عملٍ معين. في الحقيقة، يعمد الكثير من الأفراد إلى تنفيذ أعمال كثيرة في وقتٍ واحد نظراً لأنهم يعتقدون أن الوقت هو العامل الأهم، غير أن هذا الأمر غير صحيح. إن الوقت رقم ثابت بالنسبة للجميع، هناك 24 ساعة في اليوم ولا يمكننا تغيير ذلك. من هنا، يتمتع الجميع بالوقت نفسه ولا يمتلك أحد ميزة على الآخر. من جهةٍ أخرى، فإن الطاقة غير موزعة بطريقةٍ متساوية، حيث نجد أفراد يتمتعون بنمط حياة توفر لهم قوة بدنية وعقلية كبيرة. في المقابل، هناك أفراد يتمتعون بقوة أقل، ما يجعلهم يدخلون في دوامة خامدة ومستقرة. ومهما كانت حالتهم، فإن قدرة الإنسان على التحكم بطاقته أكبر من قدرته على التحكم بالوقت، حيث يمكنه اختيار علام يريد تصويب كامل تركيزه. إن تعدد المهام هو عملية تفتيت للأداء ومع اختيار توزيع قدرتنا على أمور عدة في وقتٍ واحد، سترهق نفسك بسرعة وغالباً ما ستكون النتيجة بعيدة عما كنت تسعى إليه. وبما أن التركيز يتطلب بدوره الكثير من الطاقة، فإن تنفيذ المهمات يتطلب تركيز عقلي يصعب الحصول عليه عند تنفيذ أمور عدة في الوقت نفسه.

لكل مهمة وقتها بدل من تنفيذ أمور عدة في وقتٍ واحد، قد يكون من الأفضل التركيز على أمرٍ معين. عليك ترتيب الأعمال بحسب الاهمية وأيضاً بحسب الجهود التي ستحتاجها، كما وعليك مكافأة نفسك عند اكتمال العمل بنجاح. تذكر، عندما تعمل على شيءٍ واحد، لن يكون هناك أي شيء يلهيك عن هدفك وستكون قواك العقلية كلها مصوبة باتجاه إتمام ما تعمل عليه. ستلاحظ أن الأمر سيختلف فعلاً: ستغرق في عملك، سوف تتدفق أفكارك المبتكرة ما يسمح لك بالإبداع بكل راحة. وعندما يحين التاريخ المعين لانتهاء هذا العمل، تكون مرتاحاً جداً لأنك تعلم أنك استثمرت كل قواك وبالفعل، فيمكن للعمل الذي أنجزته أن يفاجئك.

متى يعتبر تعدد المهام أمراً مناسباً؟ ينبغي الاعتراف بأن هناك وقت مناسب لتعدد المهام وغالباً ما يكون هذا الوقت عند نهاية اليوم، حيث يكون المرء قد استنفذ كل قواه العقلية والجسدية. وغالباً ما يمكن عند هذا الوقت تنفيذ المهام غير الضرورية والعاجلة والسريعة والتي لا تتطلب قدراً كبيراً من التركيز، كإجراء المكالمات، الرد على الرسائل الإلكترونية، إرسال المذكرات، تحديد المواعيد، إعادة النظر على الأدوات وكل الأمور المماثلة للمذكورة. في هذه الحالات، يعتبر تعدد المهام مناسباً كون يمكن تنفيذها بوقتٍ واحد دون أي صعوبات.

في النهاية، من السهل التصديق بأن تنفيذ أمور عدة في وقتٍ واحد قد يسمح لك بأن تكون أكثر إنتاجية، لكن من شأن هذا الأمر تركك في حالة من الفوضى المتراكمة. وبدلاً من ذلك، عندما تقوم بالتخطيط لساعاتٍ طويلة لنمو شركتك، تحتاج للتركيز على هدفٍ واحد فقط، أي تحتاج لأن تصوب عقلك نحو مسارٍ واحد وبالفعل عند القيام بهذا الأمر، سوف تفاجئ بالنتيجة. في نهاية المطاف، إن الفرد الذي ينفذ أمورٍ كثيرة في الوقت نفسه قد لا يأخذ على محمل الجد وذلك لأنه لا يعطي الوقت الكافي لأعماله، وبالتالي لا يحقق أي نتائج فريدة من نوعها.

.